ما هي المدينة العربية التي لا يجـ،ـوع فيها أي إنسان
تتميز المدن العربية بطابعها الإنساني والاجتماعي، حيث تسود قيم الكرم والتكافل الاجتماعي، لكن هناك مدينة واحدة اشتهرت على مر التاريخ بصفة استثنائية: إنها المدينة المنورة. يُقال إنها المدينة التي لا يجوع فيها أي إنسان، سواء كان من أهلها أو من زوّارها، ويُعزى ذلك إلى قيم أهلها النابعة من تعاليم الإسلام وإرث النبي محمد ﷺ، الذي كان قدوة في الكرم والعطاء.
المدينة المنورة: القلب الروحي للإسلام
المدينة المنورة، الواقعة في المملكة العربية السعودية، هي ثاني أقدس مدينة في الإسلام بعد مكة المكرمة. تُعرف بأنها المدينة التي هاجر إليها النبي محمد ﷺ من مكة واستقر فيها، وأصبحت موطناً لأول مجتمع إسلامي. ارتبطت المدينة عبر تاريخها بأخلاقيات التكافل، حيث كان أهلها من الأنصار مثالاً يُحتذى في الكرم والإيثار.
قال الله تعالى في وصف الأنصار:
> “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” (سورة الحشر: 9).
هذه الآية تُبرز طبيعة أهل المدينة منذ عهد النبي ﷺ، حيث كانوا يقدمون الطعام والمال والملجأ للمهاجرين دون تردد، وهي قيمة متجذرة في ثقافة أهل المدينة حتى اليوم.
—
أسباب عدم وجود الجوع في المدينة المنورة
1. التكافل الاجتماعي
أهل المدينة المنورة يعتبرون خدمة الزائرين والحجاج شرفاً ومسؤولية. إنهم يسعون جاهدين للتأكد من أن لا أحد يبيت جائعاً في مدينتهم. مبادراتهم لا تقتصر على المحتاجين المحليين، بل تشمل أيضاً الزوار من مختلف أنحاء العالم.
2. انتشار الموائد الخيرية
تشهد المدينة المنورة وجود موائد خيرية يومية، خاصة في الحرم النبوي. تُقام هذه الموائد على مدار العام، وتصل إلى ذروتها في شهر رمضان. يتم تقديم الطعام والماء مجاناً للجميع دون أي تمييز.
3. الوقف الإسلامي
يُعتبر نظام الوقف الإسلامي من الركائز التي تساهم في محاربة الجوع في المدينة. أهل المدينة يوقفون أراضي وأموالاً ومشروعات لخدمة الفقراء والمحتاجين، سواء بتوفير الطعام أو بتقديم المساعدات المالية.
4. تعاليم الإسلام
التعاليم الإسلامية التي تشجع على الإحسان وإطعام الجائعين متأصلة بعمق في ثقافة المدينة. يقول النبي ﷺ:
> “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم” (حديث صحيح).
هذا الحديث يمثل دافعاً مستمراً لأهل المدينة لضمان أن يعيش الجميع بكرامة.
—
أمثلة على الكرم في المدينة المنورة
1. السُّفر الجماعية في الحرم النبوي
من أبرز مظاهر الكرم في المدينة موائد الإفطار التي تُقام في الحرم النبوي خلال شهر رمضان. هذه السُّفر لا تقتصر على الحرم فقط، بل تمتد إلى الأحياء والشوارع المحيطة. كل عائلة تحرص على تقديم طعامها الخاص، مما يخلق جواً من التعاون والمحبة.
2. مبادرات أهلية لمساعدة المحتاجين
المدينة تشهد مبادرات أهلية عديدة، مثل توزيع وجبات الطعام على العمال أو على الأسر الفقيرة. بعض الأفراد يضعون ثلاجات خارج منازلهم مليئة بالطعام ليأخذ منها المحتاجون بحرية.
3. العطاء للزوار والمغتربين
الزوار الذين يأتون للحج أو العمرة يجدون ترحيباً خاصاً في المدينة المنورة. أهل المدينة يقدمون الماء والتمر والطعام مجاناً، في تعبير عن محبتهم للضيوف واتباعاً لتقاليد النبي ﷺ.
—
دروس من المدينة المنورة
قصة المدينة المنورة كمدينة لا يجوع فيها أحد تحمل العديد من الدروس التي يمكن أن تستفيد منها المجتمعات الأخرى:
1. أهمية التكافل الاجتماعي
عندما يتكاتف المجتمع، يمكن القضاء على الجوع والمشاكل الاجتماعية الأخرى.
2. إحياء نظام الوقف
الأوقاف هي وسيلة مستدامة لدعم الفقراء والمحتاجين على المدى الطويل.
3. إعلاء قيمة الإنسانية
معاملة الجميع على قدم المساواة دون تمييز بين غني وفقير، أو مواطن وزائر، تعزز الروابط الاجتماعية وتجعل الجميع يشعر بالأمان.
—
الختام
المدينة المنورة ليست مجرد مدينة جغرافية، بل هي رمز حي لقيم الكرم والتكافل التي يجب أن تسود في جميع المجتمعات. ما يجعلها مميزة هو التزام أهلها بمبادئ الإسلام التي تدعو إلى مساعدة المحتاج وإطعام الجائع. إنها نموذج يُحتذى به لعالم أكثر إنسانية ورحمة.